ذهاب الطفل للمدرسة أول مرة حدث هام في حياته، وفي حياة أمه أيضًا.. مازلت أذكر أول يوم مدرسة في حياة طفلتي الأولى، كانت متحمسة لاستقبال هذه الحياة الجديدة، تحمل حقيبة ظهرها الملونة، وحافظة الماء “الزمزمية”، وقد صففتُ شعرها وزينته بالمشابك البيضاء الأنيقة، بينما كُنت أداري قلقي بابتسامة متوترة، وأملي عليها قائمة من التنبيهات المختلفة حول ضرورة ألا تتردد في طلب الذهاب إلى الحمام، وأن تذهب إلى معلمتها إذا ضايقها أحدهم.
لا شك أن تجربة ذهاب الطفل إلى المدرسة لأول مرة هي تجربة مشحونة بمشاعر وأوضاع مختلفة للأسرة كلها. على الجهة الإيجابية ينتظم وقت هذا الطفل فجأة، وبالتالي تنتظم حياة الأسرة بأكلمها، وهناك متعة خاصة عندما تجد صغيرك يتعلم المزيد والمزيد، وأن حياته بدأت في الاتساع وأصبح لديه أصدقاء وأحداث يومية.
على الجهة السلبية هناك البكاء الصباحي نتيجة شعور الطفل بالقلق، ورفضه للمدرسة أحيانًا نتيجة أي موقف، أو حتى بسبب الملل، وهناك المشكلات التي تحدث في المدرسة، واحتمالات وجود معلم غير تربوي يجعل الحياة المدرسية للطفل مليئة بالخوف والاضطراب، ويبقى ما يعرف بـ”قلق الانفصال” أمر طبيعي وشائع لدى الأم والطفل على السواء.
والآن، وأنا على وشك خوض هذه التجربة للمرة الرابعة مع طفلتي الصغيرة وآخر العنقود، أود أن أشارك الأمهات الجديدات بعض خبرات رحلتي الطويلة مع أطفالي في المدارس.
دور الأم في بداية العام الدراسي
1- لا تقلقي
أعرف أن الأمر ليس بهذه البساطة، وأنك تفكرين في عشرات الأمور، كل الاحتمالات السيئة تطرأ على بالك من لحظة خروج طفلك من البيت وحتى عودته:
– بم يشعر طفلي؟
– وكيف سيعامله الآخرون؟
– وهل سيأكل وجبته أم سينسى أو يهمل ويبقى جائعا؟
– هل سيتمكن من تكوين صداقات أم سيبقى وحيدًا؟
لكن.. قاومي هذا القلق، فأنت لم تتركيه في الغابة يا عزيزتي، زملاؤه هم أطفال مثله، والمعلمون هم أشخاص طيبون لن يتعمدوا أية إساءة، وطفلك أصبح بحاجة إلى بعض الاستقلال والاعتماد على النفس، ثم إنه سيعود إلى البيت سريعًا.
وتذكري أن المشكلات يمكن حلها، والمواقف السلبية يمكن تدراكها، أكدي لنفسك أن الأمر بسيط وتحت السيطرة.
2- أجواء سعيدة في البيت
مهما كانت الأوقات التي نقضيها في الخارج صعبة أو مرهقة أو تشعرنا بالتوتر لأنها جديدة علينا، فإن العودة إلى البيت وسط جو من الحب والاهتمام والراحة كفيل بأن يزيل كل هذا العناء، ويجدد طاقتنا واستقرارنا النفسي.
لذا، لا تكثري من القلق على طفلك بقدر ما تحرصي على إعداد جو البيت لاستقباله بفرح واهتمام، حضنك وابتسامتك، وتلك الوجبة الشهية الساخنة، والسرير المرتب، والنزهة اللطيفة وبعض الحلوى أو المثلجات، واللعب المفتوح أو الحر كل هذه الطقوس السعيدة ستجعل نفسية طفلك مستقرة، وستوازن بين حياته الجديدة صباحًا في المدرسة، وما يعتريها من بعض الخوف والتعب والملل، ومحاولاته لإثبات نفسه والتكيف مع العالم الجديد، وبين حياته المنزلية والأسرية الآمنة المريحة المبهجة.
3- استمعي ولا تضغطي بالأسئلة
الاستماع الجيد بحب واهتمام من أفضل ما تمنحي لطفلك، وتظهر الفروق الفردية بين الأطفال بوضوح فيما يتعلق برغبتهم في الحديث عن يومهم المدرسي، بعض الأطفال يحبون أن يسردوا تفاصيل يومهم، والبعض الآخر يميل للصمت والإجابات المختصرة.
اسئلي طفلك عن يومه لكن بدون ضغط حتى لا يتحول الأمر إلى ما يشبه التحقيق، احترمي طبيعة طفلك، وابتكري في الأسئلة، كأن تسأليه عن شيء أضحكه اليوم، أو عن أكثر زملائه مشاغبة، ونحوها من الأسئلة التي قد تفتح الباب لأن يحكي لك أكثر عن يومه.
4- الرفق في التعلم
بعض الآباء والأمهات يبالغون في الاهتمام بتعليم أطفالهم الصغار، ويحرصون على أدائهم للواجبات المنزلية الكثيفة، ويقلقون حول الأداء الأكاديمي لأطفالهم مما يجعل الأطفال متوترين ومثقلين بالدراسة في الوقت الذي يُفترض أن يستحوذ اللعب وتنمية المهارات على وقتهم.
أظهرت نتائج دراسة قام بها مركز بينيت بيرس للأبحاث بجامعة ولاية بنسلفانيا بالتعاون مع مركز سياسة الطفل والأسرة بجامعة ديوك عام 2015 أن المهارات الاجتماعية العاطفية في مرحلة رياض الأطفال لها التأثير الأكبر في أن يصبحوا بالغين أصحاء وناجحين[1]، وأن لها تأثيراً ملحوظاً على ارتفاع مستواهم المادي والاجتماعي في سن 25.
5- الحذر من التنافس والمقارنة وضغط “جروبات” الواتس أب
جروبات الواتس أب أو ما يُعرف بـ”جروبات الماميز” كانت في الأصل لتسهيل التواصل، وحل المشكلات، ولكن على ما يبدو أنها تتحول في كثير من الأحيان إلى أدوات للضغط وتعقيد المشكلات، فهناك جروب للأمهات، وآخر للأمهات المختلفات في بعض الأمور مع الجروب الأصلي، وهناك الجروب الذي يضم إدارة المدرسة أو معلمات الفصل، وهناك الجروبات الخاصة بأحداث معينة مثل حفلة أو رحلة أو نشاط أو اعتراض… إلخ ستجدي نفسك تحت ضغط الإشعارات المتوالية والتشتت في موضوعات كثيرة أغلبها لا يستحق كل هذه الأهمية.
وكما يوجد في هذه الجروبات الأمهات العمليات اللواتي يستخدمنها لنقل معلومة مهمة، أو التنويه على أمر عاجل، فهناك من يتخذن من هذه الجروبات وسيلة لإشعال التنافس في التعلم والأنشطة بطريقة ضاغطة وغير مفيدة للطفل.
عليك أن تتذكري أن طفلك ليس ساحة للتنافس، وأن تفوقه التعليمي في مرحلة رياض الأطفال ليس له دلالة كبيرة على مستقبله، وأنك لست في منافسة حول أمومتك مع الأخريات، وأن لكل أم ظروفها وطبيعتها، وما تمنحه واحدة لأطفالها بما يتوافق معها ليس محل تقييم وحكم من أحد.
6- ضبط المشاعر والسلوك
طفلك يقلدك.. كوني واثقة وهادئة ومستبشرة سيصبح مثلك.
لا داعي للارتباك والمبالغة في الوداع فيشعر الطفل وكأنه ذاهب إلى ساحة الحرب وليس إلى مدرسة جميلة.
في اليوم الأول كوني واثقة فهذا يُشعر طفلك بالطمأنينة، قابلي المعلمة ببشاشة وود، تأكدي أن طفلك استقر في مكانه، طمأنيه أنك ستعودين فورًا بعد نهاية اليوم، من الجميل أن تجعليه متطلعًا لشيء بعد اليوم الدراسي مثل شراء مثلجات أو الذهاب لنزهة قصيرة مثلا. لا تبقي في الفصل أكثر من 5 دقائق، ودعيه بثقة ولا تلتفتي، المعلمون يعرفون كيف يحتوون خوف الأطفال وبكاءهم.